بإعلان أكبر قبيلتين في الصومال تحالفهما معا لخوض الانتخابات المقبلة، يدخل البلد الأفريقي منعطفا حاسما في تاريخه، ليحشر الرئيس الحالي الموالي لقطر محمد عبد الله فرماجو في زاوية صعبة.
تطورات فارقة في الشأن الصومالي تعصف بمخططات قطر وفرماجو، وتضع الأخير أمام خيار الرحيل أو الزج بالبلاد في حرب أهلية، وذلك عقب إعلان قبيلتي “هبرغدير” و”مودولود” تحالفهما معا لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، وطرد الرئيس الحالي وجميع رجال الدوحة من كافة القطاعات والأقاليم.
فرماجو بمرمى القبائل
اثنتان من كبرى عشائر الصومال تصنعان المشهد، إحداهما اجتمعت للحد من ممارسات وغطرسة فرماجو، والثانية ترحب بمخرجات الاجتماع، في حيثيات فارقة ترسم أجندة واضحة بخطوط عريضة تشمل إجراء الانتخابات بموعدها وعدم التمديد للرئيس، ما يعني أن لا حل أمام الأخير سوى الرحيل بعد بضعة أشهر.
وقبل أسبوعين، عقدت عشيرة “مودولود” العريقة اجتماعا حاشدا بالعاصمة مقديشو، ثم أصدرت لاحقا، بيانا ختاميا ناقشت فيه الوضع السياسي والأمني في البلاد، ضمن جهود لمحاسبة فرماجو على سنوات حكمه العجاف.
ففي مجال الأمن، اتهم البيان فرماجو بالتقصير في تحرير البلاد من حركة “الشباب” الإرهابية، والفشل في بسط الحوكمة الرشيدة بالبلاد.
وحذر البيان فرماجو من إدخال مليشيات أجنبية قد يستخدمها في تمرير أطماعه السياسية، ضمن قوات لا تمتلك سندا قانونيا ولا تكون جزءا من قوات حفظ السلام الأفريقية.
كما أقرّ بوجود اعتداءات وتجاوزات جسيمة في عموم الأجهزة الحكومية، خاصة المؤسسات القضائية والأجهزة الأمنية، مطالبا بتغيير الوضع القائم فيها، في إشارة إلى المخابرات التي يتحكم فيها الصحفي السابق في قناة الجزيرة وأداة قطر فهد ياسين.
ودعا البيان فرماجو إلى إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، أي في نوفمبر/ تشرين ثان القادم، بالنسبة للتشريعية، وفبراير/ شباط المقبل للرئاسية، على أن تكون حرة ونزيهة وتوافقية ترضي جميع الأطراف الصومالية.
وأعرب المجتمعون عن رفضهم لأطماع فرماجو في تمديد فترة رئاسته مسنودا بدعم قطري لا يهمه سوى إبقاء الرئيس بالحكم، لتأمين استمرار سيطرة الدوحة على مفاصل الدولة.
كما شددوا على ضرورة الحفاظ على دستور البلاد وبقية القوانين، وتقديم المصلحة العامة على الأهداف الشخصية الضيقة التي يسعى فرماجو لتحقيقها.
ورحب مؤتمر عشيرة “مودولود” بإقرار البرلمان الصومالي، في يونيو/ حزيران الماضي، قانون تمثيل سكان مقديشو في مجلس الشيوخ، والذي ينص على تخصيص 13 مقعدا لسكان إقليم بنادر.
وأعلن المؤتمر تشكيل مجلس عشائري قوي لمنع فرماجو من تعريض البلاد للخطر والتلاعب بالمكاسب التي حققها الشعب الصومالي طيلة العقدين الماضيين.
كذلك دعا القبائل الأخرى إلى تشكيل مجالس عشائرية لإنقاذ البلاد من خطر أذناب قطر.
عشائر “هبرغدير” ترحب
في خطوة فارقة، أعلن مجلس قيادة عشيرة “هبرغدير” ترحيبه بمخرجات مؤتمر “مودولود”.
وأعرب المجلس، في بيان له، عن دعمه الكامل للبيان الختامي للمؤتمر، وخصوصا ما يتعلق ببنود تشكيل مجلس عشائري لقبيلة مودولود، والإسراع في جهود تمثيل سكان مقديشو بمجلس الشيوخ.
وأكد المجلس تمسكه بإجراء الانتخابات الصومالية في موعدها المقرر، وفق نطام سياسي يرضي جميع الأطراف السياسية.
خطوط حمراء
في الصومال، يتم تقاسم السلطة السياسية على أساس عشائري يعرف بنظام “4.5”، في اتفاق جرى التوصل إليه قبل 20 عاما في مدينة عرتا بجيبوتي.
ويرى مراقبون أن رسائل قوية بعثت بها الاجتماعات العشائرية لفرماجو وأذناب قطر في الصومال، فاجتماع “مودولود” ذكّر، بشكل غير مباشر، بوجود خطوط حمراء في السياسة لا يستطيع الرئيس الحالي تجاوزها بالاستقواء بالمال القطري.
أما الرسالة الثانية، ففحواها أن عهد الفوقية والاستعلاء في السياسة الصومالية ولّى، وأن “عنجهية” فرماجو يجب أن تتوقف عند حدها.
كما تحمل الاجتماعات رسالة مفادها أن تعريض مكاسب الشعب للخطر أمر غير مقبول، وأن المصلحة العامة يجب أن تُنفذ على حساب الأغراض السياسية.
مؤتمر “مودولود”.. وزن ودلالات
تعتبر “مودولود” و”هبرغدير” من أبرز وأكبر القبائل في الصومال، ولهما تأثير سياسي كبير في البلاد، نظرا لقوتهما عسكريا واقتصاديا، ما يعني أن تحالفهما سيرسم ملامح المشهد الصومالي خلال الفترة المقبلة.
ويرى خبراء أن توحد القبيلتين يبعث لفرماجو برسالة مضمونة الوصول مفادها الرحيل أو إدخال البلاد في حرب أهلية سيكون مصيره فيها شبيها بمآل محمد سياد بري، الرئيس الأسبق الذي تسببت القبيلتان في الإطاحة به.
وفي حال حافظت القبيلتان على مواقفهما السياسية الموحدة، فلن يتبق فرماجو ولا أي عميل لقطر، وسيطوي الصومال صفحة إخضاعه للدوحة عبر وكلائها بالبلد الأفريقي.
أيضا، اكتسب مؤتمر “مودولود” وزنا هاما من الملفات السياسية التي تناولها، ومن تنوع الشخصيات المشاركة فيه.
وانقسم المشاركون إلى سياسيين ينحدرون من قبيلة مودولود، بينهم ثلاثة رؤساء سابقون، هم حسن شيخ محمود، وشريف شيخ أحمد، وعلي مهدي محمد، إضافة إلى وزير الأمن في حكومة تصريف الأعمال أبوكر اسلو.
كما شاركت بالمؤتمر شخصيات أخرى لا تنحدر من “مودولود”، لقناعتها بأجندة المؤتمر، أبرزها رئيس ولاية غلمدغ أحمد عبدي كاريه “قور قور”، ورئيس ولاية هيرشبيلي محمد عبدي واري، رئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبدالعزيز محمد حسن لفتاغرين.
ونجح المؤتمر في الخروج بنتائج على مستوى تطلعات الشعب الصومالي في مرحلة حرجة تشهدها البلاد وسط رفض للتمديد لفرماجو، والدعوة إلى توحيد صفوف العشائر لإنقاذ الصومال وإجراء الانتخابات بموعدها.
فرماجو.. دعوات للعزل
والثلاثاء الماضي، طالب نواب صوماليون، رئاسة مجلس الشعب بعزل فرماجو وانتخاب رئيس جديد لإنقاذ البلاد.
واتهمت النائبة سعدية حاجي ياسين، فرماجو بارتكاب خيانة عظمى، وقيادة البلاد بشكل مخالف للقانون، معتبرة أنه لا يدرك عوائق تصرفاته.
فيما قال النائب عبد الرحمن محمد حسين إن فرماجو يزج بالصومال في مأزق ويديره بالأكاذيب طوال فترة حكمه.
وحذر عبد الرحمن من عرقلة فرماجو لمسار “طوسمريب” للحوار السياسي، مشيرا إلى أنه سيلقى مصير رئيس الوزراء حسن علي خيري الذي عزله البرلمان في 25 يوليو/تموز الماضي.