تنامي تهديد تنظيم “داعش” في القارة الأفريقية: الأسباب والمخاطر والاحتمالات
تشهد القارة الأفريقية تنامياً في تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ بداية العام 2020، حيث كثفت التنظيمات المبايعة له من هجماتها ومواجهاتها المباشرة مع قوات مكافحة الإرهاب في غرب وجنوب القارة، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول عوامل وأسباب تنامي هذا التهديد، ومخاطره واحتمالاته المستقبلية.
مؤشرات تنامي تهديد “داعش” في القارة الأفريقية
1. تنامي تهديد “داعش” في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ومن مؤشرات ذلك:
* كثافة الهجمات على المواقع العسكرية في العديد من دول المنطقة، حيث كثَّف تنظيم “داعش الصحراء” مع بداية عام 2020 هجماته على مواقع عسكرية في مالي (موندورو وبولكسي وإنديليمان وتابانكورت)، والنيجر (إناتس وسانام وشيناغودار)، مما أسفر عن 400 إصابة بين أفراد تلك القوات على الأقل. وفي ضوء ذلك، عقدت فرنسا ومجموعة الساحل الخماسية (G5) قمة “باو” في يناير، واعتبرت منطقة ليبتاكو-جورما “منطقة ذات أولوية”[1].
* تطور الدعاية الإرهابية، حيث طور “داعش الصحراء” من استراتيجيته الدعائية بنشر مقاطع فيديو طويلة عن عملياته[2].
* تصاعد الاشتباكات بين “داعش الصحراء” وتنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” (المبايع للقاعدة)، وتنامي عدد المقاتلين في الأول بعد انضمام العناصر المنشقة عن الثاني، وتوسع مناطق عمليات الأول وسيطرته على أجزاء من مناطق عمليات الثاني[3].
* فتح جبهات جديدة، حيث وسع “داعش غرب أفريقيا” هجماته في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، لفتح جبهات متعددة وتأمين تحركاته. وتشير هجماته على القوافل العسكرية في يونيو ويوليو الماضيين (2020) إلى سعيه إلى عزل عاصمة ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا. ويشير استهدافه للقوافل العسكرية في منطقة لاك في تشاد في يوليو الفائت، إلى محاولة ردع القوات التشادية عن العمل خارج قواعدها. كما يشير هجوم مارس الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 100 جندي تشادي، إلى تركيز جديد على استهداف تشاد[4].
2. تنامي تهديد “داعش” في جنوب ووسط القارة، ومن مؤشرات ذلك:
* المرونة وقدرته على إعادة تنظيم صفوفه؛ فبرغم العملية العسكرية التي شنها الجيش في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 30 أكتوبر 2019، فقد تمكَّن التنظيم المُبايع لداعش (القوات الديمقراطية المتحالفة) من إعادة تنظيم صفوفه واستمر في شن هجماته على المدنيين في منطقة بيني، وقتل أكثر من 40 مدنياً منذ بداية مايو[5].
* الاستيلاء على المدن، فقد تمكن التنظيم المبايع لداعش في موزمبيق (جماعة أنصار السنة) من تعزيز قدراته القتالية على مدار النصف الأول من عام 2020، حيث سيطر لفترة وجيزة على مدن صغيرة في مارس عندما استولى على موكيمبوا دي برايا، وقد أشار ذلك إلى قدرة التنظيم على الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها[6].
عوامل تنامي تهديد “داعش” في القارة الأفريقية
* تراجُع سيطرة تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، وخاصة بعد تزايد الانشقاقات في صفوف تنظيم “نصرة الاسلام والمسلمين” الذي أعلن استعداده للتفاوض مع الحكومة المالية[7]، ومن ثمّ تصاعد مواجهاته مع “داعش الصحراء”، لاسيما بعد انتهاء دور بعض قيادات القاعدة في الحفاظ على نمط من التعاون بين التنظيمين بعد أن لقت حتفها على أيدي القوات الفرنسية[8].
* تنامي هيمنة وسيطرة داعش (التنظيم الأم) على فروعه في أفريقيا، لا سيما بعد إعدام القيادات من “داعش غرب أفريقيا” المتعاونة مع تنظيم القاعدة[9]، وتولي أبي إبراهيم الهاشمي القرشي قيادة التنظيم في أكتوبر الماضي.
* استراتيجية داعش (التنظيم الأم) في دمج الفروع الأفريقية المتجاورة جغرافياً، لاسيما قرار دمج “داعش غرب أفريقيا” مع “داعش الصحراء”. وبينما يُشير بعض التحليلات إلى ذلك باعتباره حيلة دعائية، لأن قدرات المجموعتين لا تسمح بهيكل قيادة مركزي وعمل موحد يمتد من مالي إلى حوض بحيرة تشاد، فمع ذلك، لا ينبغي تجاهل توجه “داعش” إلى دمج المجموعتين تحت قيادة موحدة، باعتبار ذلك من أهم أولوياته في أفريقيا [10].
مخاطر تنامي تهديد داعش
* زعزعة الاستقرار الاقليمي، حيث أن الدمج بين فروع “داعش” لا يزال من بين المخاطر المحتملة لتنامي تهديد التنظيم عبر القارة، إذ يؤدي توحيد جبههتي “داعش” في غرب أفريقيا إلى فتح جبهات جديدة للقتال والتمدد عبر الشمال الغربي لنيجيريا أو جنوباً نحو خليج غينيا[11]. والحال كذلك بالنسبة لداعش وسط افريقيا، في حال دمج التنظيمات المبايعة لداعش في الصومال والكونغو الديمقراطية وموزمبيق. إذ يؤدي ذلك إلى فتح جبهات للتمدد في دول الجوار، لاسيما جنوب أفريقيا. وقد حذر التنظيم في 3 يوليو من فتحه جبهة قتال داخل جنوب أفريقيا في حال انخرطت عسكرياً ضده في موزمبيق[12].
* تصاعد العنف الطائفي، حيث يؤدي استمرار الاشتباكات بين “داعش” و”القاعدة” إلى المزيد من العنف في المناطق التي يسيطرون عليها بالفعل والمناطق التي يرغبون في التوسع إليها، لاسيما بلدان خليج غينيا.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن (تنامي تهديد “داعش”)، لاسيما بعد تنامي علاقات الاتصال والتنسيق مع التنظيم الأم. وظهور “داعش” بوصفه بديلاً قوياً للعناصر المنشقة عن تنظيم القاعدة، لا سيما “جبهة تحرير ماسينا”، والتي ترغب في مواصلة القتال ضد الحكومة المالية[13]. فضلاً عن قدرة “داعش” على استقطاب مقاتلين جدد، حيث تشير المعلومات إلى أن 70% من المقاتلين الضالعين في الهجمات في منطقة الساحل هم أفراد تم توظيفهم من عصابات إجرامية. ولكن يتحدى هذا السيناريو محاولات تنظيم “نصرة الاسلام والمسلمين” إعادة تنظيم صفوفه[14]، واستعادة السيطرة على مناطق عملياته، بدعم من مجموعات الطوارق وميليشيات الدفاع عن النفس في شمال مالي[15]، فضلاً عن التوجهات الفرنسية لتركيز عملياتها العسكرية على “داعش” في المنطقة.
السيناريو الثاني، اتساع دائرة المواجهات بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة” في سياق الاستراتيجية المتبعة من جانب بعض الحكومات الأفريقية، لا سيما مالي، التي أعلنت استعدادها التفاوض مع القاعدة، وهو ما يعزز المواجهات بين التنظيمين، بالإضافة إلى توجيهات داعش (الأم) بالقتال مع القاعدة وإعدام القيادات المتعاونة معه. ولكن يتحدى هذا السيناريو، حاجة التنظيمين إلى الحفاظ على علاقات هادئة تُجنّبهما استنزاف قدراتهما القتالية في مواجهة قوات الأمن والضربات العسكرية الفرنسية[16]، وعلاقاتهما وتحالفاتهما مع الشبكات الإجرامية القائمة، والتي غالباً ما ترتبط بتمويل نشاط التنظيمين[17].
السيناريو الثالث، انحسار تهديد “داعش”، في ظل الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، وتصاعد المطالب السياسية في بعض الدول بضرورة التدخل لمواجهة خطر “داعش”، وعلى سبيل المثال، أصدر حزب التحالف الديمقراطي في جنوب أفريقيا بياناً في 6 يوليو يحث الحكومة على التدخل لمواجهة “داعش” في شمال موزمبيق[18]. بالإضافة إلى إعلان فرنسا وثلاث عشرة دولة أوروبية عن تشكيل قوات أوربية متعددة المهام “تاكوبا”، لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب، فضلاً عن إعلان العديد من الدول الأفريقية عن تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة على الحدود لوقف تسلل الإرهابيين. ومع ذلك، تظل التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة من بين أهم التحديات التي تواجه جهود مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.
ويبدو أن السيناريو المرجح هو السيناريو الثاني (اتساع دائرة المواجهات بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة”)، حيث يجد بعض الحكومات الأفريقية، وبموافقة ضمنية من الدول الداعمة لجهود مكافحة الارهاب، في هذه المعارك فرصة ملائمة لاحتواء التنظيمين؛ فبالتفاوض مع تنظيم القاعدة يمكن تحييد إحدى جبهات القتال، وهو ما يساعد على انشقاق عناصر من القاعدة وانضمامهم إلى “داعش” ما يُسهِّل من تركيز الضربات العسكرية على جبهة “داعش”.
*مركز الامارات للسياسات