وصلت المفاوضات بين الأطراف السياسية في الصومال بشأن الإنتخابات التشريعية إلى طريق مسدود، وتتجه الأمور نحو مزيد من التصعيد والتوتر وكل طرف يحاول اللجوء إلى خياراته البديلة وذلك عقب إعلان وزير الإعلام الصومالي عثمان أبوبكر دوبي، الأربعاء، عن فشل المفاوضات بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية للتوصل إلى حل نهائي للأزمة الانتخابية.
وألقى اللوم على رئيسي ولاية بونت لاند وجوبالاند سعيد ديني وأحمد مدوبي واتهمهما بالتعنت وطرح مقترحات تهدد كيان البلاد وسيادته واستقلاله، كما نعتهما بألفاظ وألقاب لم تتعودها السياسية الصومالية طيلة السنوات الثمانية الماضية.
إن اللغة التي استخدمها وزير الإعلام عثمان تشي بأن هناك طلاق بائن بين الرئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو ورئيسي ولاية بونت لاند وجوبالاند سعيد ديني وأحمد مدوبي وأن التوصل إلى حل يكون دني ومدوبي طرفا فيه لن يكون مقبولا لدى الحكومة المركزية وذلك لانعدام الثقة بين الطرفين ووصولها إلى حالة غير مسبوقة وإلى درجة غير قابلة للترميم في القريب العاجل، وبالتالي السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: إلى أين يتجه الصومال؟ وما هي الخيارات البديلة ومالسيناريوهات المتوقعة؟.
في البداية لا بد من الإشارة إلى النقاط الخلافية بين الأطراف السياسية والنقاط التي أدت إلى انهيار المفاوضات، كما ينبغي الإشارة إلى الخريطة السياسية في المشهد السياسي وحجم كل طرف من الأطراف المتصارعة ونقاط قوتها وضعفها والخيارات البديلة التي قد تلجأ إليها.
تتمسك القوى المعارضة التي يمثلها رئيسيا بونت لاند وجوبالاند ديني ومدوبي موقفها الرافض لرئاسة الرئيس فرماجو ودعت إلى تقليص سلطاته السياسية والأمنية ونقلها إلى رئيس الوزراء وأن يصدر مرسوما رئاسيا يتعهد بتخليه عن بعض من سلطاته، كما تطالب بإعادة النظر إلى اتفاقية 17 سبتمبر الماضية وحل بعض الإشكاليات التي ظهرت خصوصا فيما يتعلق بإقليم جذو ولجنة الانتخابات، وعقد مؤتمر تشاوري يشارك فيها جميع الشركاء السياسيين الصوماليين. بالإضافة إلى ذلك وجود ضمانات خارجية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
فالحكومة المركزية ترفض هذه المقترحات جملة وتفصيلا وتتمسك بأن تكون كافة الإجراءات والقرارات بشأن الإنتخابات على أساس اتفاقية 17 سبتمبر الماضي وتفاهمات 16 فبراير ووصف وزير الإعلام بشروط بونت لاند وجوبالاند بالغير المقبولة وذكر بأن الولايتين تطالبان بتقويض عمل البرلمان وتقليص سلطات الرئيس الدستورية وتحويل الحكومة إلى حكومة صورية وإعطاء مساحة للقوى الأجنبية في القرار السياسي الصومالي وتغير قيادات الأمن والجيش، مشيرا إلى أن هذه المقترحات لن تفضي الا إلى نتيجة واحدة وهي “انهيار الدولة الصومالية”.
وفي هذا السياق لا نبالغ اذا قلنا أن هذه المواقف لا تحمل في طياتها أي رغبة لإنهاء الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية بل أجندات أخرى وأن كل طرف يستعد لجولة الحسم المقبلة.
يراهن الرئيس فرماجو على تماسك حكومته وما يتلقى من تأييد من رئاسة مجلس الشعب وعدد كبير من نواب البرلمان بالإضافة إلى تحالفه مع ثلاثة رؤساء من الحكومات الولائية جنوب غرب الصومال، هيرشبيلي، جلمدغ، كما أنه يراهن بصورة أكبر على الجيش والشارع الصومالي وخاصة سكان العاصمة مقديشو الرافض إلى المساس بأمن البلاد والعودة إلى مربع الفوضى ومرحلة اللاحكومة.
ولذلك اذا قرأنا طبيعة نظام الرئيس فرماجو بصورة جيدة نكتشف أنه يخطط لخطوات أكثر تصعيدية ويسعى إلى حسم المعركة لصالحه، مستفيدا من إنشغال العالم إلى قضايا أكثر أهمية مثل جائحة كورونا وغيرها ولا يبدي اهتماما لقضايا الاستقرار في القارة الإفريقية، كما أنه يسعى إلى الاستغلال من انشغال إثيوبيا أحد أهم الدول المعنية بالشأن الصومالي بقضايا داخلية وأنها غير مستعدة للتدخل في الشأن الصومالي علاوة على ذلك هناك علاقات قوية ومتينة بين الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
أما الطرف الآخر قوى المعارضة فهي أكثر تنظيما من ذي قبل ومصممة على إسقاط الرئيس فرماجو رغم قلة ومحدودية ما لديها من خيارات فهي تفهم بشكل جيد أن الوضع صعب للغاية وأنها أمام خيارين احداها مرة، الاستسلام للأمر الواقع وقبول اجراء انتخابات يشرف عليها الرئيس فرماجو أو التصعيد واللجوء إلى الشارع وخيارات أخرى قد تفضي إلى حرب أهلية وانهيار النظام الحكومي الهش في البلاد.
أضف إلى ذلك أن قوى المعارضة بما فيها ولايتي نونت لاند وجوبالاند تدرك أن الوضع السياسي الحالي للبلاد لغير صالحها وأنها لا تستطيع تحقيق الانتصار أمام الرئيس فرماجو في ظل تماسك حكومته وتحالفه القوي مع الحكومات الولائية الثلاثة هيرشبيلي وجلمدغ وجنوب غرب الصومال، وبالتالي من الضروري أن تقوم خطوة قد اخفف عنها الضغوط وتزعزع هذا التحالف ويضعف قوة الرئيس.
كما أنها مدركة تماما أن غالبية الشعب غير مستعدة في الوقت الحالي لمواجهة نظام الرئيس فرماجو اذا استخدم خيار القوة.
في ظل هذا الوضع المتأزم والخطير يبدو أن الكرة باتت في ملعب وجهاء وعقلاء العشائر والمجتمع المدني وينبغي أن يأخذوا دورهم في تهدئة الوضع وتصحيح المسار لإنقاذ البلاد من سيناريوهات خطيرة.