على طريقة المريض العثماني الذي تُرك زمنا طويلا في المسافة التي تفصل بين الموت والحياة، لا هو هنا ولا هو هناك، لا تملك دول عربية القدرة على الإمساك بخيط ولو كان رفيعا يقودها إلى صورتها في المستقبل القريب.
لعقود وهي تقف في مواجهة العنف الذي صار الكثيرون يتوهمون أنه مجرد عارض مرضي، لا وجود له على أرض الواقع إلى أن فُتحت أبواب جهنم للخارجين والداخلين وما كان مجرد تكهنات وتخمينات وأقاويل صار فعل حياة يومية تجر خطواتها بين كهوف دعاة الخلافة وأتباع الولي الفقيه ولا فرق في أن تكون هنا أو هناك فأنت منذور للهدف نفسه.
لم تعد دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن ناهيك عن تونس وليبيا تقيم في غرف إنعاش مؤقتة فتلك الغرف حالت ظروف عالمية كثيرة دون إقامتها. بل إن مخططا ما سيعيدنا إلى الأوهام القديمة هو الذي يقف وراء إرادة التعامل مع الوضع العربي من منظور أعمى وبأذني أصم، أما الكلام الذي قيل والذي يقال والذي يمكن أن يُقال في المستقبل فإنه لا يمت بصلة إلى الحقيقة، حقيقة ما يُراد من المريض لكي يتم إنعاشه.
على غرار ليبيا وهي مثالية من جهة خسائرها إذا ما قورنت بالعراق وسوريا مثلا يمكن أن يُجرى الحل بإيعاز من دول تقع خارج الإطار الإقليمي. يوم اعتقد الليبيون أنهم وصلوا إلى الآفاق المسدودة ولم يعد أمامهم سوى الانتحار بمساعدة الحليف التركي كان المجتمع الدولي يضحك بسبب ضعف حيلتهم وقلة درايتهم وعدم تقديرهم لقيمة بلادهم.
اللبنانيون بالرغم من صفات الشخصية اللبنانية المبنية على أساس مختلف وصلوا إلى النتيجة القاتمة نفسها؛ لا حل، ليس أمامنا سوى الانتحار. أو ما نحن فيه ليس سوى موت بطيء، موت يقرره سوانا الذي لم يعد على عجلة من أمره. حتى البطريرك الراعي صار يقول الكلام من نهاية السطر. لقد أجبروه على أن يفقد الأمل بالواقع ولا يثق بأحد.
ولكن أليس من الصعب إخبار المريض بأنه فقد الكثير من أعضائه الأصلية وهو موجود الآن على قيد ما تُسمى بالحياة لأن أجهزة بديلة قد تم ربطه بها وهي التي تهبه الشعور بأنه لا يزال حيا؟
ليس بشار الأسد غبيا لكي لا يدرك أن صفة المريض العربي يمكن أن تقفز من دولته التي هي أكبر من أن تضمها غرفة إنعاش خيالية إلى شخصه الكريم مباشرة. لقد قُدر للأسد أن ينهي مراحله الرئاسية التي كان مخططا لها أن لا تنتهي إلا بالموت في حالة من الهذيان. فهو ليس على ثقة من أن أصدقاءه القريبين منه من روس وعجم لن يقطعوا عنه الأكسجين فجأة فيموت. من الصعب أن لا يرى المرء مصيره إلا من خلال المنظور السياسي الضيق الذي يستمد قوته من مقولة “لا مبادئ ثابتة في السياسة”.
انقطعت صلة الرجل بالشعب الذي يحكمه حين دوى الرصاص في درعا. ذلك هو السبب الذي أوقعه في شباك السياسة التي لا يملك أن يتحكم بأهواء صناعها حول العالم. هل كان الأسد ضحية؟
أما إذا ذهبنا إلى العراق واليمن ولبنان فهل علينا أن نصدق أن المجتمع الدولي قد ترك لإيران وحدها مهمة العناية بالمريض العربي إلى ما لا نهاية؟ إيران نفسها محاصرة. كل ما فعلته إيران في المنطقة قد ارتد عليها. يوما ما سنكتشف أن إيران كانت هي الأخرى ضحية لعبة عالمية. كانت حربها المقدسة على قدر عال من الغباء الذي استفاد منه العالم. أقصد ذلك الجزء من العالم الذي يرعى مصالحه عن طريق التآمر.
ستدفع إيران ثمن شعورها بالقوة في القريب العاجل. لن ينفعها في شيء أنها تحارب في جبهات عديدة. ذلك لأنها مبدئيا أصبحت دولة كريهة ومزعج حضورها وليس مستبعدا أن تلعب الشعوب التي عانت من الجور والغرور دورا مهما في انهيار النظام الإيراني بعد توقفها عن تمويل عجلة ماكينته الحربية. ولأن إيران من غير حرب لن تكون حقيقية انطلاقا من خط الإمام الخميني فإن السلام الذي سيُعالج من خلاله المريض العربي سيكون سببا لانهيارها.
علينا أن نصدق اليوم أن ورقة المريض العربي التي تستعملها إيران في مفاوضاتها مع الغرب ستُستعمل ضدها. سيكون المريض العربي حاضرا في المفاوضات.
مشكلة إيران أنها لا تملك السبيل لقطع الأكسجين عن ذلك المريض الذي اعتقدت أنه رهينتها. تلك هي الورقة الخاسرة الأخيرة. لا تملك إيران أية أوراق أخرى للضغط سوى ما فعلته داخل أراضيها من تجارب نووية. وهو أمر ليس ثقيلا ويمكن معالجته.
ولكن المريض العربي سيظل ينظر بعين واحدة إلى وقت لا يدعو إلى التفاؤل.
*كاتب عراقي