تسعى تركيا إلى ملء الفراغ الذي تركه تراجع دول المقاطعة عن الاهتمام بكل من موريتانيا والسودان بعد المصالحة التي تمت في قمة العلا بالسعودية في يناير الماضي.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأيام الأخيرة كلا من رئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني لزيارة أنقرة، في خطوة داعمة لإستراتيجية تركيا في التمدد الناعم في البلدين.
ويركز الأتراك في جذب نواكشوط والخرطوم على وعود بالاستثمارات وإطلاق المشاريع. وتجد هذه الوعود صدى لدى المسؤولين في البلدين بعد فشلهما في الحصول على دعم كانا يمنيان النفس بالحصول عليه خلال وجودهما في حلف دول المقاطعة بمواجهة قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين.
وتسعى تركيا إلى التعلم من درس “أنصاف الحلول” الذي مارسته مع السودان وكانت نتائجه استبعادها بشكل مذل بعد سقوط نظام عمر البشير، وتريد هذه المرة أن تكون جزءا من تركيبة سياسية واقتصادية وحضور ثقافي يتحمل الهزات السياسية.
وحصل السودان على دعم خليجي في المرحلة التي تلت الثورة التي أطاحت بحكم عمر البشير المتحالف مع الإسلاميين. لكن التعقيدات الداخلية في المرحلة الانتقالية في البلاد قللت من حماس الداعمين الخليجيين الذين وجدوا أنفسهم بعد ذلك مهتمين بقضايا أخرى بينها المصالحة الخليجية ومسار السلام الجديد مع إسرائيل، فضلا عن تداعيات استلام جو بايدن كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة من حليفهم دونالد ترامب، وهي تداعيات غيرت اهتمام هؤلاء الداعمين.
في المقابل حصلت موريتانيا على دعم لتطوير قطاعات تنموية حيوية في البلاد، وخاصة في معركتها ضد الإرهاب والتيارات الإسلامية المتشددة ومنها الإخوان المسلمون، لاسيما في فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز الذي حمل لواء مواجهة الإسلاميين.
وقال مراقبون إن تركيا تريد الاستفادة من عتب الموريتانيين والسودانيين على المانحين الخليجيين، لكنها لن تكتفي بالوعود لنواكشوط والخرطوم خصوصا أن كلفة التواجد في المشاريع قليلة نسبيا وضمن سياق إتاحة الفرص للشركات التركية مع تواجد ثقافي وديني في شكل مساعدات، بل والإفصاح عن رغبة في التغلغل واستعادة النفوذ الذي فقده الأتراك خلال السنوات الماضية.
وقال مجلس السيادة السوداني إن رئيسه عبدالفتاح البرهان تلقى الجمعة دعوة من الرئيس التركي لزيارة تركيا.
ودعا نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، الأحد، الرئيس الموريتاني لزيارة أنقرة خلال لقاء بينهما في مطار ديوري حماني الدولي بالعاصمة النيجرية نيامي، بعد حضور مراسم تنصيب الرئيس محمد بازوم.
ويعمل الأتراك على العودة إلى السودان واستعادة النفوذ الذي خسروه بسقوط البشير، وخاصة الاتفاق الخاص بجزيرة سواكن الذي كان سيتيح لهم موقعا حيويا على البحر الأحمر.
وإلى الآن يكتفي المسؤولون الأتراك بإطلاق وعود المساعدات المختلفة للسودان دون أي إشارة من قريب أو بعيد إلى سواكن، وهي إستراتيجية تقوم على التدرّج والإغراء بالدعم إلى حين استجابة السودانيين.
وفي موريتانيا تضاعفت جهود أنقرة للتغلغل في المجتمع الموريتاني منذ الزيارة التي قام بها أردوغان لموريتانيا في فبراير 2018، حيث توجت بتوقيع عدة اتفاقيات بين البلدين في مجالات المعادن والصيد والاقتصاد البحري والسياحة، إضافة إلى مذكرة تفاهم في مجال الزراعة واتفاقية حول حماية وتعزيز الاستثمارات بين البلدين.
وبدت تلك الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تركي محطة لفتح الباب أمام الاهتمام التركي بذلك البلد الذي يقع في منطقة إستراتيجية على المحيط الأطلسي وبالقرب من منافذ بحرية هامة للتجارة الدولية وبوابة لدول حوض نهر السنغال.
ولا شك أن دعوة الرئيس الموريتاني الحالي لزيارة تركيا تدخل ضمن الجهود المبذولة لربط صلات أكبر مع القيادة الحالية وكذلك استغلال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها موريتانيا تزامنا مع شح مواردها.
وتقوم تركيا بتعزيز تواجدها في موريتانيا من خلال الجانب الديني تحت عنوان تدريب الأئمة، وكذلك من خلال المنظمات الخيرية التي تقوم بأنشطة محدودة، لكن يتم تضخيمها لإظهار أهميتها، من ذلك ما قدمته الاثنين من طرود غذائية لـ300 أسرة موريتانية بمناسبة رمضان.
وفي سبتمبر الماضي بدأت الحكومة الموريتانية إجراءات إنشاء مركز لتكوين الأئمة والخطباء، يهدف إلى “تدعيم مهارات الخطابة، وتحسين المستويات العلمية”، حسب وزارة الشؤون الإسلامية.
كما ركزت تركيا تدخلها الناعم على قطاع التعليم للتسلل إلى الساحة الموريتانية، وعملت كذلك على استقطاب الطلاب الموريتانيين للدراسة في الجامعات التركية.
ويلفت المراقبون إلى أن رهان تركيا على موريتانيا والسودان له هدف آخر، وهو اتخاذ البلدين بوابة انطلاق لنفوذها في القارة الأفريقية ومنافسة القوى الدولية الأخرى المتمركزة في دول الساحل وكذلك في شرق القارة.