عندما تصاعدت وتيرة الإصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا في مقديشو والمناطق الصومالية الأخرى منذ مطلع فبراير الماضي تصاعدت الأصوات المفجوعة والمطالبة بتحرك حكومي سريع نحو كبح جماح انتشار الفيروس القاتل الذي قضى على نحو ألف شخص، إلا أن وزارة التربية والتعليم أدركت – مبكّرًا بعد إجرائها مشاورات مع من يهمّه الأمر من الخبراء – عدم إمكانية إغلاق الحركة الطبيعية بالكامل في مقديشو لضرورات معلومة مسبقا، وأن قطاع التعليم عانى بالفعل من تبعات آثار الإغلاق في العام الماضي، فأصدرت في الرابع والعشرين من فبراير 2021م قرارا بمواصلة افتتاح المدارس والجامعات على أن يتم تطبيق الاحترازات الصحية للطلاب.
كان من شبه المؤكد – مسبقًا – أنه لا يمكن إغلاق المساجد والأسواق والمطاعم والحفلات والمنتزهات ووسائل النقل الجوية وحافلات الركاب في العاصمة مقديشو، لصعوبة تطبيق ذلك على واقع الأرض، فأدرك اللوبي “الدِّعائي” ضرورة إقناع الحكومة الفيدرالية بقرار إغلاق القطاع التعليمي في الثالث من مارس الجاري، لكونه – أي القطاع – الجهة الوحيدة التي يمكن إخضاعه للأوامر، ويسهل على المخالفين سحب الاعتراف، – هكذا ببساطة -.!!
أدرك هذا اللوبي “الدِّعائي” أنه إذا لم تُقْدِم الحكومة على أيّ خطوة مّا تجاه انتشار الفيروس فإنه ستُمْسِى نقطة سوداء من أن الحكومة لم تحرك ساكنا على وَقْع ارتفاع وَفيات المئات من المواطنين في المستشفيات مع ازدياد الحرب الدعائية السياسية، فأصدرت أوامرها بإغلاق المدارس والجامعات والمعاهد لشهر كامل للحفاظ على الأمن الصحي، مع استمرار الحركة الطبيعية الأخرى على عملها المعتاد!!، من المساجد والأسواق والمطاعم والحفلات والمنتزهات والحافلات والنقل الجوي والبري.
تمسك مناصرو هذا الرأي من أن الطلاب هم أكثر من ينقل المرض إلى المسنّين في البيوت، ..طيب: سألناهم: بعد إغلاقكم هذا؛ هل حجزتم الطلاب في ملاجئ آمنة أم أنهم ذهبوا إلى الشوارع والأزقات والأسواق والملاعب وهل تلك الأمكان خالية من المرض؟، فلم يجدوا جوابا، ثم سألناهم ثانيا: أليست المؤسسات التعليمية أكثر تنظيما وانضباطا من المساجد والأسواق والمنتزهات والملاعب ووسائل النقل، حيث يسهل فرض كل طالب على ارتداء الكمامات وغسل اليدين والتباعد في الفصول؟!!.
وعندما رأى اتحاد الجامعات واتحاد المدارس الأهلية في العاصمة مقديشو هذا الوضع المتردّي نظَّموا قبل يومين مؤتمرا كبيرا، وأصدوا بيانا أوضحوا فيه خطورة هذا القرار حول إغلاق القطاع التعليمي لشهرٍ، على مستقبل التعليم في البلاد، وأنه ما زالت آثار إغلاق المدارس لمدة أكثر من ثلاثة أشهر في العام الماضي موجودة والتي أصبحت كابوسا، حيث رسب نحو تسعة آلاف طالب في الامتحان العام الثانوي، وترك الآلاف من الطلاب التعليم بعد أن صعُب عليهم التعليم عن بُعد عبر الإنترنت، وواجهت العديد من المدارس والجامعات أوضاعا اقتصاديا صعبا، لأن المدرّس والمعلّم لم يجد الراتب، ولا تدفع الحكومة رواتبهم، وكثير منها تدفع الإيجار للمبنى.
يقول مناصرو الإغلاق من المتحمّسين وقاصري النظر إن دوافع هذه الشكاوى اقتصادية بحتة، وأن المصلحة العامة – وهي درء الكارثة الصحّية- أولى وأهمّ!، نقول لهم: هل القطاع التعليمي الذي بدأ تأسيسه بيد أبناء الوطن بشقِّ الأنفس تحت وقْع الرصاص والمدافع والنزوح وصل إلى هذا النمو بدعم الحكومة واقتصادها، أم بدعم جيب الكادحين من الشعب من قوت يومهم؟!!،، ولماذا لم تدرسوا هذه الظاهرة الاجتماعية بجدٍّقبل هذا القرار، كما درستم الظاهرة الاجتماعية في الضرورات المعيشية الأخرى؟!! من العبادات في المساجد والتجارة في الأسواق والحركة الطبيعية؟!!.
وعندما تبيّين لاتحاد الجامعات واتحاد المدارس الأهلية في العاصمة مقديشو أن الغرض من هذا الإغلاق لم يأت من دراسة وطنية جديّة وعلمية موضوعية، وإنما أتى بتأثير من “اللوبي الدّعائي الفيسبوكي”، قرر أن يطلب من وزارة التربية والتعليم الإسراع في قبول طلبهم من إعادة افتتاح الجامعات والمدارس في يوم السبت المقبل السابع والعشرون من مارس الجاري، وإلا فإنهم سينظمون احتجاجات سلمية يعبرون فيها عن شكاواهم، ورفضهم لهذه الجناية الكبيرة على التعليم الذي كان القطاع الوحيد الذي قام المثقفون الصوماليون بإنقاذه إثر انهيار الدولية الصومالية وجميع الخدمات الاجتماعية برمّتها!!..
أين المبررات الموضوعية والعلمية التي قدمتها الحكومة وأنصارها لهذا القطاع، وأين كوادر وخبراء التعليم والصحة الذي قاموا بالدراسة؟!، أم أن استمرار الإغلاق يترك فقط لوزير الإعلام “دوبي”؟!!!!.
إن هذا لشيء عجيب..!!