الصومال اليوم

أطفال الصومال وثلاث لغات!

“ماهي اللغة التي سوف يعتمدها منهج رياض في الصومال ،؟” . كان ذلك أحد أهم المحاور الذي استغرق وقتا طويلا للنقاش والأخذ والرد في جلسات جدية حول إعداد وتصميم منهج موحد للتعليم ما قبل المدرسة والمعروف باسم ” الحضانة ” في الصومال عقدت بمدينة غرووي في شهر مارس عام 2021م. 
هذا التوجه الرسمي الذي تتبنى به وزارات التربية والتعليم في جمهورية الصومال الفيدرالية يعتبر أول خطوة حقيقية نحو تصميم منهج تعليمي موحد لمرحلة ما قبل المدرسة. 
ربما تكون هذه المرة الثانية التي يدخل فيها الصومال عموماً نقاشات بخصوص لغة التعليم. كانت الأولى في عهد الرئيس الراحل سياد بري الذي نقل لغة التعليم من الإيطالية إلى الصومالية والعربية ، وفي تلك المرة لم يجد الإنسان الصومالي بأساً في الهجرة من اللغة الإيطالية؛ لأنه لا ينتمي إليها أساسا فكان من السهل أن يرتمي إلى حضن اللغتين العربية والصومالية وبشكل أكثر إلى حضن اللغة الصومالية ، وبعد فترة من الزمن بدأ الإنسان الصومالي يمثل أكثر إلى اللغة العربية خاصة أثناء سنوات الحرب الأهلية وبعدها وذلك لظروف خارجية وداخلية مع ذلك لم يكن يشعر بأنه غريب ووحيد إذا أكتفى بالعربية . 
في السنوات العشرة الأخيرة ظهر إلى السطح النقاش اللغوي الثاني في الصومال، لكن هذه المرة يهدف إلى اقتلاع جذور اللغتين السائدتين من المجتمع الصومالي أو تهمشهما على الأقل لصالح اللغة الإنجليزية ، وبالتالي كان السؤال المذكور أعلاه “بأي لغة سوف يكتب منهج رياض الأطفال في الصومال؟” المحور الأبرز في نقاشات جلسات غرووي، والصراع اللغوي الدائر في الصومال عموما، فانقسمت الآراء إلى ثلاثة أقسام: قسم يرى من الطبيعي والمنطقي الاعتماد على اللغة الإنجليزية لآنها شئنا أم أبينا هي اللغة التي سوف يتعايش معها الطفل مهنياً وعلمياً ما بقي من حياته ، لذلك من الأفضل تأهيل الطفل من الصغر حتى يستطيع إتقانها بطلاقة ، والقسم الثاني يعتقد عكس ذلك ويرى بأنه من غير المعقول جر طفل لغوياً وثقافياً إلى أن يتعلم بلغة غير لغته الأم. أما القسم الأخير فكان يرى ضرورة الاعتماد على اللغة العربية لاعتبارات دينية وقيمية وثقافية. 
في نهاية النقاش تم الاتفاق على جعل اللغة الصومالية لغة التعليم الأساسية والعربية لغة يتعلمها الطفل الحد الأدنى الذي يستطيع من خلالها فهم وأداء التعاليم الدينية التي تتماشى مع عمره . لكن حتى مع هذا المقترح المعتدل إلى حد ما، هناك من يرى بأنه غير سليم وغير متوائم مع متطلبات بناء الشخصية الصومالية المعاصرة؛ لأنه لا يُقدم الضمانات الفعلية لصلاحية هذا المقترح فكأن هذا المقترح تم تقديمه لإلتقاط الأنفاس وكهدنة مؤقتة لإيقاف النقاش حتى إشعار أخر . وهذا الاعتراض برأيي مُحق في بعض جوانبه فاعِتمادية “لغة ما” تؤدي في نهاية المطاف إلى تبني الفلسفة والمنظومة المعرفية والثقافية لهذه اللغة ، وتشرب الأساليب التفكير فيها ، فعندما نتبنى الصومالية أو العربية أو الإنجليزية دون أن نقدم ما يدعمه من إطار عام يوضح أسباب  تحفز الطفل على تعلم هذه اللغة فنحن بذلك نأسس جهدا تراكميا عبثيا يؤدي إلى متعلم لا يعرف لماذا عليه أن يتعلم هذه اللغات. 

Exit mobile version