تشهد العلاقات الكينية الصومالية خلافا دبلوماسيا أسفر عن تدهور العلاقات التجارية وإحداث شلل في مجالي الأمن والتعليم. ويعود أصل الخلاف بينهما إلى نزاع على منطقة مساحتها 160 ألفا و580 كيلومتر مربع بالمحيط الهندي تطالب بها كلتا الدولتين.
ويطالب الصومال بالمنطقة لأنه يرى أن حدوده البحرية عند المحيط الهندي تمتد بطريقة مماثلة للحدود البرية جنوبا باتجاه كينيا، فيما تؤكد كينيا أن حدود الصومال تنتهي عند نقطة التقاء الحدود الساحلية الكينية والصومالية في شكل زاوية قائمة. وبناء على ذلك فإن نيروبي ترى أن الخط الحدودي يمتد في شكل خط عرضي تجاه شرق المحيط الهندي وليس جنوبا.
وتولي الجارتان الأفريقيتان اهتماما بمخزون النفط والغاز بالمنطقة ذات الموقع الاستراتيجي الذي من شأنه تغذية أسواق الطاقة المحلية والدولية. وأسفر النزاع على الحدود البحرية عن زيادة توتر العلاقات بين البلدين اللذين كانا حليفين.
وفي عام 2019 استدعى الصومال سفير كينيا لديه متهما الأخيرة بانتهاك مجاله الجوي بعد قيام طائرة كينية برحلة مباشرة من العاصمة نيروبي إلى مدينة كيسمايو الساحلية جنوب غرب مقديشو.
ورفع الصومال قضية أمام الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا “إيغاد”، متهما الجنود الكينيين العاملين ضمن قوات بعثة الاتحاد الأفريقي بالصومال المدعومة من الأمم المتحدة بمغادرة مواقعهم بالبلاد والتخلي عمن يجب حمايتهم من حركة الشباب المسلحة.
ويضم تكتل “إيغاد” التجاري ثماني دول أفريقية هي جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والصومال وجنوب السودان والسودان وأوغندا.
واتهم الصومال في شكواه أمام “إيغاد” القوات الكينية “بالتورط في تجارة السكر والفحم غير المشروعة” في ميناء كيسمايو وتدمير معدات الاتصالات حول المناطق التي تعمل بها.
كما اتهمت مقديشو مؤخرا نيروبي بتسليح عناصر لمهاجمة مدينة كيسمايو الواقعة جنوبي البلاد. ونفت كينيا انتهاك المجال الجوي والبري للصومال ووصف روبرت كيبوتشيو رئيس أركان الجيش الكيني مزاعم تسليح بلاده لميليشيات معادية للصومال بأنها “كاذبة”.
والثلاثاء الماضي وجد فريق تقصي الحقائق التابع لـ”إيغاد” أن هناك بالفعل أدلة كافية على انتهاك كينيا للمجال الجوي الصومالي، لكنه لم يجد أي دليل على تدخل نيروبي في شؤون مقديشو. واقترحت الهيئة استخدام الجهود الدبلوماسية للمصالحة بين كينيا والصومال، لكن مقديشو انتقدت الأربعاء نتائج اللجنة التي أشارت إلى عدم توصلها لدليل يظهر تدخل كينيا في شؤون الصومال.
وأثرت التوترات المتصاعدة على الحدود بين البلدين على أكثر من 3 آلاف طالب من الجانب الصومالي الذين يعبرون إلى كينيا يوميا للذهاب إلى مدارسهم. وفي شرقي كينيا أصبح الآلاف مهددين بفقد مصدر دخلهم بعد الحظر الصومالي على واردات نبتة القات من كينيا. وأصبح العاملون في مجال زراعة هذه النبتة وتعبئتها ونقلها وتجارتها، المعروفة باسم “ميرا” في كينيا، قلقين بشأن خسارة أكبر أسواقهم وهي الصومال.
وفرض الصومال حظرا على القات الكيني، وهو منشط عشبي قوي، اعتبرته منظمة الصحة العالمية من الأعشاب المخدرة بسبب الآثار السلبية الناجمة عن مضغه وتم حظره في معظم بلدان العالم.
وللقات استخدامات اجتماعية وثقافية راسخة بين الصوماليين ويتم استهلاكه على نطاق واسع في أجزاء أخرى من العالم في فترة ما بعد الظهر كالشاي أو القهوة، لكن الإفراط في استهلاكه يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الصحة العقلية.
وكان الصومال قد أعلن الإثنين الماضي رفع الحظر المفروض على القات الكيني، الذي يكسب التجار في كينيا 145 ألف دولار يوميا، لكنه تراجع في وقت لاحق عن هذا القرار.
وقال عمر محمود المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، (منظمة دولية غير ربحية مقرها بروكسل)، إن فترة الانتخابات والسياسة بشكل عام قد تكون سبب الانقسام الأخير. وأضاف محمود “أعتقد أن التدهور الأخير في العلاقات يرجع إلى الدورات السياسية التي تجري داخل الصومال”.
وتابع “هناك بعض القضايا الأساسية بين كينيا والصومال لم يتم حلها”، موضحا أن التدهور الأخير متعلق “بما تعتبره الحكومة الحالية في الصومال دعما كينيا لمعارضتها”. وأردف “أعتقد أن الحكومة الحالية في الصومال تنظر إلى كينيا على أنها تدعم معارضتها، لذا فإن القطيعة في العلاقات مرتبطة بدورة انتخابية مستمرة”.
ورأى أن على كلا البلدين البدء بحل قضايا الخلاف الأساسية لإصلاح العلاقات التي تتدهور بشكل سريع. وأشار المحلل بالمنظمة الدولية إلى أهمية الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإعادة بناء الثقة واستعادة العلاقات بينهما. وأكد أن القطيعة بين كينيا والصومال لا تفيد أيا منهما لأنهما متداخلتان اقتصاديا وأمنيا ودبلوماسيا.