الصومال اليوم

الانتخابات الصومالية تمر في “مخاض عسير” يهدد مستقبل البلاد

الصومال اليوم – أماني الطويل

تشهد عملية انتقال السلطة في الصومال أزمة محتدمة، تنتج عمليات متتالية من التفجيرات والاغتيالات، تتزايد وتيرتها يوماً بعد يوم. وتحولت هذه الحالة إلى نوع من حرب الشوارع، بينما يبدو أن الأسباب الرئيسية وراء تصاعد التوتر، تدور في فلك صراع المركز مع الأقاليم بشأن حدود الصلاحيات والسلطات. 

ونتيجة لذلك النزاع، تعثرت عجلة إجراء الانتخابات على المستويين البرلماني والرئاسي، بينما تعيش الصومال مرحلة فراغ دستوري، بعد انتهاء الولاية الدستورية للرئيس عبدالله فرماجو في 8 فبراير (شباط) الماضي، إذ يرتبط الاستحقاقان ببعضهما البعض، على أساس نظام انتخابي عشائري معقد، فشل في تغييره المجتمع الدولي والرئيس فرماجو نفسه. 

من هذه الزاوية، كان للجوار الإقليمي دور في تصاعد الأزمة، إذ تدعم إثيوبيا صيغة سلطة المركز على الأقاليم، بينما تتجه كينيا إلى دعم الأقاليم على حساب المركز. 

ويمكن القول إن المشهد السياسي الصومالي الراهن شديد الصلة بعواقب انهيار مؤسسة الدولة عام 1991، إذ تم التوافق على أن الفيدرالية هي الحل السياسي الأمثل للبلاد، واستقرت هذه الصيغة منذ مطلع الألفية الثالثة لتحصد العشائر وزناً سياسياً كبيراً، منتجة نظامها الانتخابي المعروف بصيغة “4.5”. 

وسمحت تلك الصيغة بتقسيم ما يُسمّى بـ”القبائل الصومالية الكبرى” إلى أربعة أجزاء رئيسة متساوية الحجم، تحصل كل منها على حصة متساوية من السلطتين التشريعية والتنفيذية، بينما تحصل القبائل التي لا تنتمي إلى تلك القبائل الكبيرة الموزعة على الأجزاء الأربعة، على نصف حصة. وكان يفترض أن تكون هذه الصيغة مرحلية، بعدما اتُّفق عليها مؤقتاً لإنهاء الحروب القبلية في التسعينيات، وذلك بغض النظر عن عدالتها. 

في هذا السياق، استقر عبدالله  فرماجو في سدة الحكم بالصومال عام 2017، آتياً من الولايات المتحدة التي تنازل عن جنسيتها عام 2019، وعُلّقت عليه آمال كبيرة في تحقيق استقرار البلاد، بناءً على عوامل عدة منها أنه كان رئيساً للوزراء لمدة عام (2010-2011)، وحصل على دعم غير مسبوق من المجتمع الدولي مع انتخابه. 

وكان يؤمَل أن ينجح فرماجو في إرساء آلية اقتراع شعبية وفق مبدأ “صوت واحد لشخص واحد” في الانتخابات الحالية 2020 -2021، فضلاً عن مراجعة الدستور وتطهير المناطق التي تسيطر عليها “حركة الشباب” المتشددة، إلا أن دلائل عدة أشارت إلى عدم نجاح إدارته للحكم في تحقيق هذه المهمات بسبب المقاومة السياسية لتغيير النظام من جانب حكومات الأقاليم، بينما يفترض أن تكمل بعثة الاتحاد الأفريقي للسلام (أميصوم) انسحابها العسكري المرحلي من البلاد، ما يعني أن الصومال قد تشهد مع نهاية العام، اندلاع حرب أهلية جديدة من جهة، وصعوداً لـ”حركة الشباب” التابعة لتنظيم “القاعدة” من جهة ثانية. 

 
المشهد الانتخابي 

وفشلت محاولات إجراء الانتخابات البرلمانية مرتين خلال العام الماضي، إذ عُقد مؤتمر في سبتمبر (أيلول) 2020  لحل الخلافات، بقيادة الرئيس فرماجو مع رؤساء الأقاليم، نتج منه اتفاقاً نصّ على تعيين لجنة انتخابية على المستوى الفيدرالي بالتعاون مع لجان انتخابية لكل إقليم. كما قضى الاتفاق بأن تتولّى الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم مسؤولية تأمين الانتخابات المقبلة، مع التعهد بحماية حرية التعبير بموجب الدستور المؤقت للبلاد والحفاظ على حصة التمثيل السياسي للمرأة عند حدود 30 في المئة. 
وفشل الرئيس فرماجو في هذا المؤتمر في تمرير صيغته للنظام الانتخابي المباشر، الذي يعتمد على صوت الناخب الفرد، واتُّفق على استمرار العمل بالنظام الانتخابي العشائري المرتكز على آلية الاقتراع غير المباشرة والمتعددة المستويات، بحيث يُنتخاب الرئيس من قبل النواب البالغ عددهم 275 عضواً في مجلس الشعب و54 عضواً في مجلس الشيوخ. 

ونتيجة فشل فرماجو في تمرير صيغته المقترحة للنظام الانتخابي، شهدت الأشهر الخمس الماضية تصاعد التوتر بشأن عضوية لجنة الانتخابات التي عيّنها الرئيس الصومالي بطريقة تضمن تحقيق أهدافه النهائية. واتهمت المعارضة تلك اللجان بأنها غير حيادية، بسبب ضمّها أنصار الرئيس وموظفي الخدمة المدنية ومنتسبي القوات الأمنية، بخاصة جهاز الاستخبارات. وفي المقابل، شُكّل “مجلس اتحاد مرشحي الرئاسة” في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي يضم 14 من أبرز المرشحين والوجوه السياسية في البلاد، طالبوا بتعديل عضوية لجنة الانتخابات الصومالية. 

وحاول فرماجو احتواء الموقف من خلال عقد اجتماع في مدينة دوسمريب، عاصمة ولاية غالمودوغ، مع رؤساء الولايات في مطلع فبراير 2021، لكنه فشل. وحمّل في خطاب ألقاه أمام البرلمان، مسؤولية الإخفاق لقادة ولايتَي بونتلاند وجوبالاند. إلا أن رئيس ولاية جوبالاند أحمد مادوبي ألقى من جانبه مسؤولية الفشل على الرئيس الصومالي. 

ويُرجَّح أن يسعى فرماجو إلى طلب تمديد ولايته من البرلمان المنتهية ولايته أيضاً، في حين أعلنت قوى المعارضة وبعض الولايات عدم اعترافها به رئيساً للبلاد بعد تاريخ 8 فبراير. وأسفرت مجمل هذه التفاعلات بطبيعة الحال، عن مشهد مأزوم، تُرجم في عمليات تفجير قرب القصر الرئاسي، وتظاهرات نظمها الفاعلون السياسيون تطالب الرئيس بالرحيل، لاقت دعماً نظراً إلى وجود أسباب متعلقة بطبيعة التوازنات السياسية والاقتصادية بين المركز والإقليم، إضافة إلى دور العامل الخارجي في المشهد السياسي. 

 
المشهد الصومالي 

ويبدو المشهد السياسي الصومالي منقسماً بين أطراف في معادلة لا تتّسم بالمرونة، إذ يحمّل كل طرف فيها مسؤولية العرقلة للآخر، وبلغت الأمور حد انسداد أفق الحل السياسي في المرحلة الراهنة. ويمكن تلخيص التفاعلات السياسية الداخلية بأنها قائمة بين نخب حاكمة، في مقدمتهم القادة السياسيين في مقديشيو وحكام ولايتَي بونتلاند وجوبالاند، فضلاً عن قادة حزبيين، أهمهم قيادتَي حزبي “ودجر” و”الاتحاد من أجل السلام”، إضافة إلى قسم مستقل يتمثل في شخصيات عامة على رأسها طاهر محمود جيلي (وزير الإعلام السابق). وتخوض الأطراف الثلاثة صراعاً مع مقديشو التي تملك أوراق ضغط وتأثير، فضلاً عن القدرات التمويلية الداخلية أو الإقليمية، المؤثرة بدورها في توازنات القوى السياسية. 

 ويمكن رصد الخرائط التفصيلية للتفاعلات بين المركز والأطراف طبقاً للتالي:  

ولاية بونتلاند: تبدو علاقة الولاية بالمركز غير مستقرة على نمط واحد، وإن حافظت على تواصل يبدو هشاً. وتملك الولاية عوامل قوة سياسية واقتصادية. فعلى المستوى السياسي، لديها نظام خاص بتسجيل الأحزاب السياسية ولجنة انتخابية تحضّر آليات وقواعد وقوائم التنافس على مقاعد البلدية. أما على المستوى الاقتصادي، فلديها موارد وازنة من الذهب والنفط، ولكنها تواجه تحديات أمنية بسبب انتشار جماعات السلفية الجهادية في الإقليم، وتداعيات ذلك على الخريطة العشائرية بما يهدد سلطة القيادة. 

ولاية جوبالاند: يحظى هذا الإقليم بدعم مباشر من كينيا التي تملك نفوذاً فيه، مؤسَساً على دعم شهري تبلغ قيمته حوالى 1.5 مليون دولار، وفق تصريحات نائب رئيس البرلمان الكيني السابق فارح معلم. ويُدفع هذا المبلغ على شكل رواتب لقوات الإقليم المسلحة. أما على المستوى الاقتصادي، فلدى جوبالاند، ميناء كسمايو وموارد نفطية، ما يجعله مؤهلاً للانفصال، بخاصة بعد إعادة انتخاب رئيسه أحمد مدوي الذي لم يتم الاعتراف به من جانب مقديشيو. أما على المستوى الأمني، فيُعدّ هذا الإقليم، أكبر معقل في البلاد لـ”حركة الشباب” بعدما عجزت حكومته عن دحرها نهائياً، لكنها نجحت بمساعدة كينية في تحرير ميناء كسمايو فقط. وشابت العلاقات مع الحكومة المركزية خلافات وصلت إلى حد القطيعة الكاملة، نتيجة الاختلاف على إدارة الانتخابات التشريعية والرئاسية في جوبالاند. إلا أن أهداف الإقليم تتقاطع مع مقديشو في عدد من الملفات. 

حزب “ودجر”: يتزعمه السياسي الصومالي عبد الرحمن عبد الشكور، المرشح الرئاسي السابق لانتخابات عام 2017. ويُعدّ من أشد الأحزاب السياسية انتقاداً للحكومة ولحلفائها. 

حزب “الاتحاد من أجل السلام”: بزعامة الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود، الذي ينافس فرماجو في الانتخابات المقبلة. ويعدُّ هذا الحزب معارضاً شرساً للنظام القائم، كما يحظى بتأييد نخب سياسية واسعة. 

صوماليلاند: إقليم انفصل عن الصومال في أعقاب سقوط الدولة عام 1991 ويقع في شمال غربها، ويشكّل وضعه بنداً خلافياً بين الحكومة والمعارضة، إذ تقترح الحكومة إجراء انتخابات في مقديشو، تجمع السياسيين المتحدرين من صوماليلاند المقيمين في العاصمة. ولكن آلية اختيار مندوبيه هي نقطة الخلاف، فترى المعارضة أن الحكومة تريد تنصيب موالين لها وأعضاء من الحكومة، ليختاروا ممثلي صوماليلاند في البرلمان بمجلسَيه، وعددهم 57 عضواً، سيلعبون دوراً حاسماً في تحديد هوية المرشح الفائز بالرئاسة. 

في هذا السياق المعقد، يبدو أن وجود فرماجو في سدة الرئاسة سيمتدّ حتى نهاية العام على الأقل، ولن يلتفت المجتمع الدولي المشغول بكورونا وتداعياتها إلا بعد أن تكون بعثة “أميصوم” أوشكت على الرحيل، بالتالي تكون الأوضاع المتفجرة في الصومال مؤثرة بالضرورة في المصالح الدولية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. وحتى هذا الحين، ربما يصحو العالم يومياً على حوادث تفجير ومآسي سقوط ضحايا مدنيين في الصومال. 

Exit mobile version