الصومال اليوم

بعد الانسحاب من الصومال.. الغموض يلفّ استراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب في أفريقيا

منذ توليه السلطة في الـ20 من يناير الماضي عرض الرئيس الأميركي جو بايدن الخطوط العريضة لأبرز تحدّيات سياسته الخارجية، حيث تأتي إيران والصين وكوريا الشمالية على رأسها، في وقت جاءت فيه مكافحة الإرهاب في أفريقيا، والتي يحذّر خبراء من تداعيات تهميشها، خارج أولوياته القصوى. 

وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية فرعي تنظيم داعش الإرهابي بكل من الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، فيما يلفّ الغموض استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمكافحة الجهاديين في أفريقيا. 

وفي بيان صادر عنها، صنّفت الوزارة كذلك قائدي الفرعين “إرهابيين عالميين مصنّفين بشكل خاص”، مشيرة أن “من عواقب هذه الإجراءات حظر جميع ممتلكات ومصالح المصنفين الخاضعة للولاية القضائية الأميركية”. 

ومنذ أن قررت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من الصومال، بينما لا يزال نشاط هذه التنظيمات قائما ويشكل تهديدا للمصالح الأميركية في القارة، يُعلِّق القادة الأفارقة الكثير من الآمال على إصلاح إدارة بايدن ما أفسدته إدارة ترامب في إهمالها للقارة الأفريقية. 

وفي ديسمبر 2020، أمر ترامب بانسحاب القوات الأميركية من الصومال، والذي اكتمل في يناير 2021 عندما انتقلت إلى كينيا، على الرغم من أن القيادة الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” حذّرت من صمود حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة وقدرتها على التكيّف مع مواجهة عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية. 

وتشير التقديرات الراهنة بشأن توجهات إدارة بايدن إزاء استراتيجية مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية إلى وجود سيناريوهين، أولاهما يرى أن إدارة بايدن سوف تسلك نهجا مُغايرا يحافظ على الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا لمواجهة التهديدات الإرهابية وعدم ترك فراغ أمني/استراتيجي يسمح للنفوذين الصيني والروسي بالتمدد هناك على حساب المصالح الأميركية، في حين يرى السيناريو الثاني أن إدارة بايدن سوف تمضي في تبنِّي النهج الحالي لإدارة ترامب في مكافحة الإرهاب، لكن مع إدخال بعض التعديلات على هذه الاستراتيجية. 

ويرى مايكل شوركين، كبير علماء السياسة في مؤسسة راند، أن انتخاب بايدن كرئيس للولايات المتحدة قد يقدّم فرصة جيدة لإعادة علاقتها مع أفريقيا. 

ويمكن أن تكون محددات سياسة بايدن تجاه أفريقيا في الجانب الأمني والدفاعي: إعطاء أولوية للقرن الأفريقي الذي طالما كان منطقة استراتيجية، ويستضيف القاعدة الأميركية الدائمة الوحيدة في أفريقيا، والمحافظة على أفريكوم التي تمثل المهمة الأساسية في تنسيق البرامج العسكرية العديدة الموجودة بالفعل في القارة. 

وثمة قراءات يميل أصحابها إلى الاعتقاد بأنه “على أفريقيا ألا تضع آمالها على بايدن لمكافحة الإرهاب”، على اعتبار أن الرئيس الأميركي لم يبد موقفا واضحا من تلك المسائل، وأن عملية مكافحة الإرهاب “يجب أن تقودها الدول الأفريقية في المقام الأول بنفسها وعدم الاعتماد على التعاون العالمي”، وهو ما أكده معهد الدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا. 

وتذهب الترجيحات الأكثر تفاؤلا إلى أن تعمل إدارة بايدن على طمأنة الحلفاء والأصدقاء الأوروبيين والأفارقة بعدم التخلي عن دعمهم في جهود مكافحة الإرهاب، إذ تُبدي فرنسا قلقا كبيرا تجاه سحب القوات الأميركية من القارة، أو حتى سحب الدعم الأميركي لجهود مكافحة الإرهاب. 

والشهر الماضي، أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن محادثات مع وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي بشأن الوضع في منطقة الساحل الأفريقي، لكنّه لم يُقدّم أيّ التزام أميركي إزاء عملية مكافحة الجهاديين في هذه المنطقة. 

وأوضح جون كيربي، المتحدث باسم أوستن، أنّ “الوزير لم يُقدّم أيّ التزام.. لكنّه أعرب بوضوح عن امتنانه للعمل الذي تؤدّيه فرنسا لناحية مكافحة الإرهاب”. 

وفي منطقة الساحل، تعتبر واشنطن حليفة أساسية لقوة برخان الفرنسية، وتقدم معلومات استخبارية وعمليات استطلاع عبر طائرات مسيّرة وعمليات التزود بالوقود جوا والنقل اللوجيستي، وهي مهام تبلغ كلفتها السنوية 45 مليون دولار. 

وتعتبر فرنسا أن خفض عمليات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في أفريقيا سيعرقل الجهود ضد المجموعات الجهادية، وخصوصا في منطقة الساحل. 

وتعد برامج التعاون الأمني الأميركية في أفريقيا ضرورية لبناء قدرات القوات الشريكة المكلفة بعمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة. ولكن بعدما يقرب من عقدين من عمليات الانتشار المستمرة، فإن وزارة الدفاع الأميركية تكافح الآن بشأن كيفية ومكان إعادة تخصيص الموارد، ولا يُنظر إلى أفريقيا على أنها ضرورية. 

ودون مستويات عالية من المساعدة الغربية، بما في ذلك دعم الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فإن العديد من قوات الأمن العاملة في منطقة الساحل تواجه خطر الحدود التي يسهل اختراقها، وسوء الإدارة، وانتشار الاقتصاد غير المشروع، وهي عوامل هيكلية تفضّل الفاعلين العنيفين من غير الدول. 

وفي ظل الرؤى المتباينة حول سياسات بايدن المتوقعة تجاه القارة الأفريقية، فإن أفريقيا تمتلك الكثير من الفرص الواعدة على كافة المستويات، وتشهد نهضة وتنمية مرتقبة، إلا أنها تحتاج للمزيد من الأمن والاستقرار، وتسوية الصراعات التي أنهكت أراضيها. 

Exit mobile version